وللكرم أيضا حديث ذو شجون ...
فلقد تَحَدثتُ صباح اليوم مع صديق لى كان يجالسنى عندما نشر خبر حاتم ...
قلت له أن فى الأمر مبالغة ... وكثير من قصص حاتم موضوعة ولا تمت اليه بصلة !!
وسردت له القصة التالية عن حاتم الطائى :
لما مات حاتم الطائي تشبه به أخوه ،فقالت له أمه : يا بني أتريد أن تحذوحذو أخيك، فإنك لن تبلغ ما بلغه فلا تتعبن فيما لا تناله ؟
فقال : وما يمنعني وقد كان شقيقي وأخي من أمي وأبي ؟
فقالت : إني لما ولدته كنت كلما أرضعته أبى ورفض أن يرضع حتى آتيه بمن يشاركه فيرضع الثدي الآخر وكنت إذا أرضعتك ودخل صبي بكيت حتىيخرج!!
غريب هذا .. سيدة شروق ... فليس كل ما فى كتب الأدب يقبل على علاته ...
أن يقرى حاتم الضيف ويكرمه ويرويه من عطش ويطعمه من جوع فذلك من خصال العرب لكن أن يضحى بكل ما يملك فتلك مسألة فيها نظر !! أن يذبح فرسه لضيف وهى رأسمال العربى فذلك غريب أن يتبرع بالمئات من الإبل والأغنام فذلك هو الأغرب فى زمن كان العرب كل رأسمالهم أبل وأغنام
وأذكر بأنه لولا الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سفانة ابنة حاتم الطائى بعد أن أسرها المسلمون فى احدى غزواتهم .. ربما لم يكن لحاتم الطائى حديث يذكر .
ومن هذا الحديث نستشف كيف كان كرم حاتم الطائى يرد على لسان ابنته بعد أن أسرها المسلمون بعد غزوهم لبلاد طيء، ولما قدمت مع الأسرى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قالت له :
" يا محمد ! إن رأيت أن تخلّي عنّي فلا تشمت بي أحياء العرب ؟! فإني ابنة سيّد قومي، وإن أبي كان يفكّ العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويفشي السلام ويُطعم الطعام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي "
فقال لها النبي محمد صلى الله عليه وسلم: " يا جارية، هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه خلّوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق ".
والحديث ذو شجون ... بمعنى أن هذا يستدعى أن نتكلم عن مكارم الأخلاق فى الإسلام ...
نأخذ ذلك من قول السيدة خديجة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رجع إليها خائفا بعد نزول الوحى عليه :
" إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَّل، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق. "
طبعا لا ننسى أن الله نهى عن الإسراف حتى فى الصدقات :
" وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَذَلِكَ قَوَاما" .
وقوله جل شأنه :
" وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُورا "
وقال صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولامخيلة " (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه).
فإذا كان ما رواه الرواة من كرم حاتم الطائى صحيحا فإنه يدخل فى صميم الإسراف والتبذير، الأمر الذى لا يدخل حتى تصنيف مكارم الأخلاق الإسلامية، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال قولته فى حاتم الطائى إنما قاله استنادا على ما أوردته من مكارم أخلاق والدها، فهو لم تذكر له ما كان يتميز به من اسراف وتبذير فى غير محله !!
لكن يبدو لى من خلال تتبع المصادر التاريخية ومن خلال حديث سفانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن حاتما لم يكن مبذرا بل كان كريما.. وهنا فرق بين الكرم والتبذير .. فرق شاسع يجعلنا نشكك فى كثير من الروايات الموضوعة المنسوبة إلى حاتم الطائى .
شكرا لصديقى الذى جالسنى ونبهنى إلى هذا الأمر ... والشكر موصول لك سيدة شروق لإثارتك هذا الموضوع ... وننتظر مشاركة فاعلة من الأعضاء .